الجمعة، 10 فبراير 2012

نحو مبادرة سودانية لتطويع (تقنيات النانو)


نحو مبادرة سودانية لتطويع (تقنيات النانو)
محمد هاشم البشير
جامعة وادي النيل – قسم الفيزياء
النانو عالم نجهل عنه الكثير، يقع بين مستوى المادة على هيئة ذرة لا تلمس ولا ترى، وبين مستوى المادة على هيئة كتلة مرئية وملموسة. ويمكن للنانو تكنلوجي Nanotechnology أن تقود العالم إلى ثورة صناعية جديدة ، فكما يرى المتفائلون فأن هذه التقنية ستقدم منافع جمة للإنسانية.إن كلمة النانو(Nano) باللغة اليونانية تعني: (قزم) ، أما علم النانو Nanoscience: فيقصد به ذلك العلم الذي يعتني بدراسة وتوصيف مواد النانو وتعيين خواصها وخصالها الكيميائية، والفيزيائية، والميكانيكية، مع دراسة الظواهر المرتبطة الناشئة عن تصغير أحجام الحبيبات. وبينما يبدو تعريف علم النانو أمرًا سهلاً، فإن وضع تعريف محدد لتكنولوجيا النانوNanotechnology  يعد أمرًا أكثر صعوبة ؛ وذلك نظرًا لتشعبها ودخولها في المجالات التطبيقية المختلفة، حيث إن كلا من هذه المجالات ينظر إلى هذه التكنولوجيا من وجهة النظر الخاصة به. وعامة، يمكن القول إن تكنولوجيا النانو هي تلك التكنولوجيا المتقدمة القائمة على تفهم ودراسة العلوم النانوية تفهمًا عقلانيًا وإبداعيًا مع توافر المقدرة التكنولوجية على تخليق مواد النانو والتحكم في بنيتها الداخلية وإعادة هيكلة وترتيب الذرات والجزيئات المكونة لها بهدف الحصول على منتجات متميزة وفريدة.
كانت بدايات هذا العلم قبل ما يقارب خمسين عاماً حيث قام عالم الفيزياء الأمريكي الشهير البروفسور ريتشارد فينمان   Richard Feynman- الحائز على جائزة نوبل لجهوده في علوم ميكانيكا الكم  Quantum Mechanics- بإلقاء محاضرته المشهورة عام 1959م والتي كانت بعنوان (هنالك الكثير من الغرف بالقاع) . ورغم أن فينمان لم يشر إلى هذا المصطلح تحديداً في محاضرته إلا انه تنبأ بإمكانية التعامل مع الذرات بتحريكها وترتيبها. ومع أن فينمان أول من تنبأ بإمكانية تحريك الذرات وترتيبها إلا أن ذلك لم يتم فعلياً إلا بعد وفاة فينمان، حيث قام فريق بحثي بشركة IBM في عام1989م – بعد وفاة فينمان بعام- بتوظيف الإبرة الدقيقة الموجودة بالميكروسكوب النفقي الماسح في التقاط ذرات عنصر (الزينون) الخامل وتحريكها بدقة متناهية لإعادة ترتيبها واحدة تلو الأخرى على سطح بارد من فلز النيكل لتشكل معًا شعار الشركة مكتوبًا بحروف ذرية نانونيه الأبعاد  .
كانت هذه الشرارة التي أوقدها فينمان بداية ثورة القرن الواحد والعشرين والتي لم يمر وقت طويل حتى اقتحمت تطبيقاتها الكثير المجالات فاتجهت إليها أنظار الدول الكبرى والنامية معاً وتسابقوا من اجل سبر أغوار هذا العلم الهائل والمهم. يقول البروفسور أدون توماس المتخصص في النانو : (النانو شيء مهول وذو فوائد عظيمة للبشرية في المجتمعات والاقتصاد وغيرها، فهو علم مستقل ويقع في الأهمية في موضع مواز للكهرباء والترانزستور والإنترنت والمضادات الحيوية. و العلماء بحاجة إلى فهم أوسع وأدق لعالم هذه التقنية والمجالات التي تفيد فيها أو تستخدم من خلالها). وبالرغم من أن عمر هذا العلم يقارب الخمسين عاماً إلا أن العرب عموما لم يقتحموا هذا المجال إلا في السنوات القليلة السابقة والمملكة العربية السعودية ابرز الدول العربية في هذا المجال ثم لحقت بها مصر مؤخراً وغيرها .
ونسبة لأهمية هذه التقنية أطلق مجموعة من العلماء والمتخصصين العرب مبادرة أهلية لحشد الجهود العربية، بهدف وضع خطة إستراتيجية لتدعيم قدرة العرب على فهم واستيعاب علوم وتقنيات النانو والتحكم بها وتطويعها، ودعوا لإنشاء قاعدة بيانات خاصة بهم في هذا المجال لزيادة التواصل فيما بينهم وإيجاد آلية تعاون من خلال مشروعات بحوث تطبيقية مشتركة.واطلقوا على هذه المبادرة (المبادرة عربية لتطويع علوم وتقنيات النانو).
ولكن وكأن السودان يقف بعيداً عن هذا التسابق الحامي حول امتلاك هذه التقنية المتناهية في الصغر. وهذا المقال بمثابة صرخة عساها حكومتنا، وجامعاتنا، وعلماءنا تنتبه إلى هذه التقنية الحديثة . ليضعوا جميعاً أولويات للبحث العلمي في مجال علوم وتقنيات النانو. مع الأخذ في الاعتبار احتياجات السودان و الوطن العربي والعالم الثالث، والتي من أبرزها توفير ماء وغذاء صحي ميسور التكلفة، والحد من تلويث البيئة، وتوفير الطاقة، والاستفادة بالأبحاث المحلية والعالمية المتعلقة بقضايا النقل والمواصلات. وكذا الاستخدامات الطبية، والصناعية، ويضعوا سياسة تمويلية لتوفير التمويل اللازم لها من القطاعين العام والخاص مع إعطاء أولوية للبحوث متعددة الاتجاهات التي تقود إلى استخدامات كثيرة في اتجاهات متعددة، وتشجيع الجامعات على تبنيها وتشجيع شركات ومؤسسات التقنية السودانية و العربية الخاصة والعامة كذلك على الدخول في مجال البحث والتطوير في علوم وتقنيات النانو.ويا حبذا الإسراع لإدخال تدريس تقنيات وعلوم النانو والتدريب عليها في المدارس والجامعات، وتشجيع إنشاء مراكز بحوث متخصصة في هذا المجال، وتوفير أدوات البحوث والإمكانيات التي تحتاجها وتيسير الوصول إليها واستخدامها لتمكين الجامعات ومراكز البحوث من العمل لتوسيع قاعدة المعرفة في العلوم والتقنيات النانونية والتنسيق بينها وبين جميع الجهات الأخرى التي تتبنى البحوث والتطوير في تلك المجالات. ولا يأتي هذا إلا بالارتباط والتنسيق الدائم بين الصناعة والبحوث ابتداءً بوضع الأولويات إلى تحقيق النتائج وتحويلها إلى نماذج صناعية ثم منتجات، وتوجيه البحوث لحل مشكلات صناعية أو تطوير منتجات قائمة. ولابد من هيئة خاصة تتعاون مع الدولة لتمويل مشاريع بحوث وتطوير علوم وتقنيات النانو وتحفيز رجال الأعمال على تعزيز الاستثمار في السوق المستقبلية لتك العلوم.ويبدأ هذا كله بنشر التوعية العامة لفهم علوم وتقنيات النانو من خلال الكتب، والمحاضرات والدورات التدريبية والمعارض وتشجيع البحوث والتطبيقات في جميع مجالات تقنية وعلوم النانو. وللصحافة الدور الأكبر  في نشر التوعية بهذا العلم.
وقد يقول قائل إن السودان ليس من الدول الصناعية حتى يسعى وراء هذه التقنية فأقول: تعتبر تقنية النانو في مرحلة التطوير والاستخدام وهذه الفترة من أهم الفترات التي يمكن للسودان البدء في استخدامها لأنها عند وصولها لمرحلة النضج سيكون على السودان الكثير من العبء ليواكب هذا التطور السريع .
ليس من الضروري أن يكون السودان دولة مصنعة أو أن يملك المبالغ ضخمة فهنالك مشاريع قليلة التكلفة يمكن أن نجعلها البداية لتقنية النانو وتبدأ مثلا :بصناعة ملابس النانو التي لا تتبقع ولا تنكمش ،صناعة مواد بلاستيكية بالنانو بحيث تزيد من صلابة البلاستيك،صناعة المطاط،صناعة الزجاج، وغيرها.و بالرغم أن السبق في هذا المضمار لعلماء الدول المتقدمة التي تملك الإمكانات وضآلة حجم المساهمة العربية في هذا المجال الحيوي والتي لا تكاد تذكر إلا أننا كعرب موجودين في هذا المضمار فلا مانع من أن نلحق بالركب العربي. ولا شك انه سيكون لهذه التقنية اثر ايجابي كبير على الاقتصاد السوداني في مقبل الايام.